التوقيع الالكتروني وحجيته في الاثبات:

أدى التطور التكنولوجي والتقني في وقتنا الراهن واستخدام الأجهزة الالكترونية وشبكة الانترنت في معظم المعاملات الى استبدال الوسائل التقليدية بوسائل وأساليب حديثة لإبرام العقود ومن ثم ظهرت الحاجة الى استبدال التوقيع التقليدي بالتوقيع الالكتروني في التجارة الالكترونية كأحد الضمانات التي تعبر عن إرادة الأطراف في إتمام تلك المعاملات عبر شبكة الانترنت فأصبحت معظم التعاملات المالية والتجارية تتم بواسطة الكتابة الالكترونية والمحررات الالكترونية.

ونظراً لأهمية التوقيع الالكتروني في معاملات التجارة والعقود الالكترونية، فقد أصبح من المهم وضع ضوابط قانونية للتعامل بين الأطراف المتعاقدين وإضفاء الحماية القانونية على التوقيع الالكتروني حتى يمكن الاعتداد به من الناحية القانونية.

وعليه سنقوم في مقالنا هذا ببحث ماهية التوقيع الالكتروني وأشكاله وشروطه ومدى حجيته في الاثبات.

تعريف التوقيع الالكتروني

انطلاقاً من حرص المنظمات الدولية لتسهيل التجارة الالكترونية ولإزالة العقبات في طريقها فقد اهتمت لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي بوضع تعريف للتوقيع الالكتروني في قانون الاونيسترال النموذجي المتعلق بالتوقيعات الالكترونية تفادياً لأي تعارض بين القوانين في مجال التجارة الالكترونية. وقد عرف هذا القانون في المادة (1/2) منه التوقيع الالكتروني على أنه: “عبارة عن بيانات في شكل الكتروني مدرجة في رسالة بيانات او مضافة اليها او مرتبطة بها منطقياً يجوز ان تستخدم لتعيين هوية الموقِّع بالنسبة الى رسالة البيانات ولبيان موافقة الموقِّع على المعلومات الواردة في رسالة البيانات”.

اما الاتحاد الأوروبي فقد فرق بين نوعين من التوقيع الالكتروني عندما تطرق الى تعريفه وهما:

1-   التوقيع الالكتروني البسيط او العادي وهو (معلومة في شكل الكتروني مرتبطة او متصلة منطقياً ببيانات الكترونية أخرى تستخدم كأداة للتوثيق)

2-   التوقيع الالكتروني المتقدم او المعزز وهو (التوقيع الالكتروني الذي تتوفر فيه الشروط التالية:

أ‌-      ان يحدد هوية الموقِّع ويمكن من التعرف عليه.

ب‌- ان يكون مرتبطاً بشخص صاحبه.

ت‌- ان يتم إنشاؤه بوسائل تضمن السرية التامة وتمكن الموقِّع من الاحتفاظ بها ووضعها تحت مراقبته وسيطرته وحده دون غيره.

ث‌- ان يكون مرتبطاً بالبيانات التي يلحق بها بشكل يجعل أي تغيير او تعديل في المستقبل على تلك البيانات قابلاً للكشف عنه.

كذلك حرصت الدول في تشريعاتها على وضع تعريف للتوقيع الالكتروني ايماناً منها بأهمية وضع ضوابط تنظم عملية التوقيع الالكتروني حفاظاً على حقوق أطراف العلاقات القانونية الالكترونية.

وقد عرف المشرع البحريني في المرسوم بقانون رقم (54) لسنة 2018 بإصدار قانون الخطابات والمعاملات الالكترونية التوقيع الالكتروني بأنه: ” بيانات في شكل الكتروني ضمن سجل الكتروني او ملحقة او مرتبطة به، تستخدم للتعريف بموقع السجل ولبيان قصده بشأن المعلومات التي يتضمنها السجل.”

كما وضع في ذات القانون تعريف للتوقيع الالكتروني الآمن بأنه: ” توقيع الكتروني يتسم بأنه:

1-   يكون مقروناً على نحو مميز بالموقِّع.

2-   يمكن من خلاله اثبات هوية الموقِّع.

3-   يتم إنشاؤه باستخدام بيانات انشاء توقيع الكتروني يكون باستطاعة منشئ التوقيع استخدامها، بدرجة عالية من الثقة، تحت سيطرته وحده.

4-   يرتبط بالسجل الالكتروني المتعلق به، بحيث يمكن من التعرف على أي تغيير لاحق يطرأ على هذا السجل.

5-   يتم إنشاؤه باستخدام أداة انشاء توقيع الكتروني آمن صادرة عن مزود خدمات الثقة المعتمد لذلك الغرض، ومستندة على شهادة توقيع الكتروني أمنة.  

من خلال التعريفات أعلاه يتضح بأن التوقيع الالكتروني عبارة عن بيانات الكترونية تبين قبول الموقِّع على تعامل الكتروني معين، بحيث يتم ادراج هذا التوقيع في التعامل الالكتروني او يضاف اليه او يكون مرتبط به ارتباطاً منطقياً بحيث يهدف الى اثبات هوية الموقِّع وبيان شخصيته وصلاحيته بالتوقيع واثبات موافقة الموقِّع على التعامل الالكتروني وإمكانية معرفة أي تعديل يطرأ على التعامل الالكتروني بعد التوقيع عليه.

أشكال التوقيع الالكتروني:

تتعدد اشكال وصور التوقيع الالكتروني على حسب الطريقة والإجراءات والتقنيات التي قامت بإصدار ذلك التوقيع إلا انها جميع هذه الاشكال تعتمد على استخدام تقنية الوسائط الالكترونية، وينقسم التوقيع الالكتروني الى عدة اقسام كالآتي:

1-   التوقيع الرقمي او الكودي:

التوقيع الرقمي هو عبارة عن رقم سري او رمز ينشئه صاحبه باستخدام برنامج حاسب ويسمى الترميز بحيث تتم الكتابة الرقمية للتوقيع او المعاملة عن طرق التشفير الذي يتم باستخدام مفاتيح سرية وطرق حسابية معقدة (لوغاريثمات) ونجد استعمال هذا النوع من التوقيع في التعاملات البنكية.

2-   التوقيع الالكتروني اليدوي:

تتم هذه الصورة عن طريق تحويل التوقيع المكتوب بخط اليد الى بيانات الكترونية تمثله تقنياً ويستخدم في عملية التحويل جهاز الماسح الضوئي (Scanner) ويتم حفظ هذه الصورة بطريقة الكترونية لدى صاحب التوقيع وعند اجراء عملية التوقيع يتم نقل هذه الصورة ووضعها على السند المطلوب توقيعه.

3-   التوقيع بالقلم الالكتروني:

تتمثل هذه الطريقة باستخدام قلم الكتروني يقوم بالكتابة على شاشة الكمبيوتر عن طريق برنامج معد لهذه الغاية، ويقوم هذا البرنامج بتلقي بيانات صاحب التوقيع ثم يقوم الشخص بإدراج توقيعه باستخدام القلم الالكتروني على مربع داخل الشاشة، ويقوم هذا البرنامج بوظيفتين لهذا النوع من التوقيعات الأولى هي خدمة التقاط التوقيع والثانية خدمة التحقق من صحة التوقيع.

4-   التوقيع البيومتري:

ويعتمد هذا التوقيع على الخواص الذاتية لشخص الموقِّع، حيث ينفرد كل شخص بعدة سمات فسيولوجية او سلوكية لا يمكن تكرارها بين شخصين ويتم التعرف على هوية أحد الأشخاص عن طريق هذه السمات استناداً على انها مرتبطة بإنسان وتسمح بتمييزه عن غيره بشكل واضح ومحدد ومن هذه الخصائص بصمة اليد وبصمة شبكية العين والصوت وغيرها.

الشروط الواجب توافرها في التوقيع الالكتروني:

إن التعامل مع التوقيع الالكتروني واعتباره ذو حجية في التعامل والاثبات يتطلب أن تكون هناك عدة شروط تكون ملزمة في هذه العملية ليكون هذا التوقيع قابلاً للتعامل ومعتد به امام المحاكم وامام الغير، وقد حدد قانون الاونيسترال بشأن التوقيعات الالكترونية في المادة السادسة منه الشروط التالية لتحقق قانونية التوقيع الالكتروني:

1-   أن تكون الوسيلة المستخدمة لإنشاء التوقيع مرتبطة بالموقِّع دون أي شخص آخر.

2-   أن تكون الوسيلة المستخدمة لإنشاء التوقيع الالكتروني خاضعة وقت التوقيع لسيطرة الموقِّع دون أي شخص آخر.

3-   أن يكون أي تغيير في التوقيع الالكتروني يجري بعد حدوث التوقيع قابلاً للاكتشاف.

4-   إذا كان الغرض من اشتراط التوقيع قانوناً هو تأكيد سلامة المعلومات التي يتعلق بها التوقيع وكان أي تغيير يجري في تلك المعلومات بعد وقت التوقيع قابلاً للاكتشاف.

أما بالنسبة للقوانين المعمول بها في مملكة البحرين فقد نصت المادة السابعة من قانون الخطابات والمعاملات الالكترونية على: ” إذا تم توقيع سجل إلكتروني باستخدام شهادة توقيع إلكتروني آمنة، قامت القرينة على صحة التالي، إلى أن يثبت العكس:

1-    أن التوقيع الإلكتروني على السجل الإلكتروني هو توقيع صاحب الشهادة.

2-     أن التوقيع الإلكتروني على السجل الإلكتروني قد وُضِع من قِبَل صاحب الشهادة بغرض توقيع هذا السجل.

3-    أن السجل الإلكتروني لم يطرأ عليه تغيير منذ وضْع التوقيع الإلكتروني عليه.

4-   ‌إذا تم ختْم سجل إلكتروني باستخدام ختْم إلكتروني آمن، قامت القرينة على سلامة الختْم الإلكتروني للسجل الإلكتروني وصحة المصدر المقترن بالختْم، إلى أن يثبت العكس.

5-   ‌إذا تم مهْر سجل إلكتروني باستخدام مهْر وقت إلكتروني آمن، قامت القرينة على صحة التاريخ والوقت الثابت بموجب المهْر وعلى سلامة السجل الإلكتروني المقترن بذلك التاريخ والوقت، إلى أن يثبت العكس.

6-   ‌إذا تم إرسال سجل إلكتروني باستخدام خدمة توصيل إلكتروني مسجَّل آمنة، قامت القرينة على سلامة السجل الإلكتروني وعلى إرساله من قِبَل المُرسِل وتسَلُّمه من قِبَل المُرسَل إليه وعلى صحة تاريخ ووقت إرساله وتسَلُّمه المذكورين وفقاً لخدمة التوصيل الإلكتروني المسجَّل الآمنة، إلى أن يثبت العكس.

 

وهنا نرى بأن المشرع البحريني اشترط في التوقيع الالكتروني ليتمتع بالقوة القانونية الملزمة أن يكون مقروناً بشهادة توقيع الكتروني آمنة والتي عرفها في المادة الأولى من ذات القانون بأنها شهادة توقيع إلكتروني، صادرة عن مزوِّد خدمة ثقة معتمَد لذلك الغرض، مستوفية للاشتراطات التي يصدر بتحديدها قرار من السلطة المختصة.

فإذا اقترن التوقيع الالكتروني بتلك الشهادة تتكون هناك قرينة بأن هذا التوقيع الالكتروني على السجل الالكتروني هو توقيع الشخص المسمى في الشهادة المعتمدة بغرض توقيع هذا السجل الالكتروني

 

 

حجية التوقيع الالكتروني في الاثبات:

يتمثل الدور الرئيسي للتوقيع الالكتروني في تحقيق الثقة للمعاملات الالكترونية وضمان الثقة والأمان بين المتعاملين الكترونياً، ومن ثم فإن التوقيع الالكتروني يقوم مقام التوقيع التقليدي لذا فقد اعطى المشرع لهما ذات الحجية القانونية اللازمة في الاثبات.

 وعليه نصت المادة الخامسة من قانون الخطابات والمعاملات الالكترونية بشأن حجِّية السجلات الإلكترونية في الإثبات على:

‌أ-  للسجلات الإلكترونية، في نطاق المعاملات المدنية والتجارية، ذات الحجِّية المقرَّرة في الإثبات للمحرَّرات العُرْفية، ويكون لها ذات الحجِّية المقرَّرة في الإثبات للمحرَّرات الرسمية في أحكام قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية متى استوفت الشروط الواردة فيه، والشروط الأخرى المنصوص عليها في هذا القانون، والقرار الصادر من السلطة المختصة بالتنسيق مع الوزير المعنِي بشئون العدل في هذا الشأن.

‌ب- لا ينكَر الأثر القانوني للمعلومات الواردة في السجل الإلكتروني، لا من حيث صحتها أو حجِّيتها، لمجرد ورودها – كلياً أو جزئياً – في شكل سجل إلكتروني أو الإشارة إليها في هذا السجل.

‌ج-  إذا أوجب القانون أن تكون المعلومات مكتوبة، فإن ورود المعلومات في سجل إلكتروني يكون مستوفياً لمتطلبات القانون، شريطة أن تكون هذه المعلومات قابلة للنفاذ إليها بما يمَكِّن من استعمالها عند الرجوع إليها لاحقاً.

‌د- يراعى في تقدير حجِّية السجل الإلكتروني في الإثبات، عند النزاع في سلامته ما يلي:

1-    مدى الثقة في الطريقة التي تم بها إنشاء أو تخزين أو إرسال السجل الإلكتروني.

2-   مدى الثقة في الطريقة التي تم بها توقيع السجل الإلكتروني.

3-    مدى الثقة في الطريقة التي استُعمِلت في المحافظة على سلامة المعلومات.

4-   أية أمور أخرى ذات علاقة بسلامة السجل الإلكتروني.

 

 الخلاصة:

 

نخلص من مما تقدم أن التوقيع الالكتروني يلبي حاجات المتعاقدين الكترونياً ويزيد من الثقة والضمان في معاملاتهم القانونية، كما انه يعتبر مصدراً لموثوقية المعاملات الالكترونية، فضلاً عن تمتعه بالحجية القانونية تساوي ما للتوقيع التقليدي والسندات التقليدية من قوة في الاثبات متى كانت مستوفية للشروط القانونية الخاصة بها. 

Recommended Posts