الخبرة القضائية في ظل التعديلات الأخيرة لقانون الاثبات: –
في إطار التطور الذي يشهده القطاع العدلي في مملكة البحرين، صدر المرسوم بقانون رقم (28) لسنة 2021 بتعديل بعض احكام قانون الاثبات في المواد المدنية والتجارية الصادر بالمرسوم بقانون رقم (14) لسنة 1996 والذي تم فيه استبدال احكام الباب التاسع (الخبرة) ومواد أخرى تماشياً مع التعديلات الحديثة الواردة بشأن الخبرة.
في هذا المقال سنتطرق بشيء من الايجاز الى بيان التعديلات الواردة بشأن الخبرة القضائية بموجب المرسوم بقانون أعلاه مقارنة بالنظام المعمول به سابقاً مع ذكر مميزات هذه التطورات والملاحظات عليها والتطرق الى أية مآخذ عليه ان وجدت.
لقد كان من أهداف التعديل الوارد في قانون الاثبات بشأن الخبرة القضائية الارتقاء بمستوى تقارير الخبرة المقدمة امام المحكمة في النزاعات المطروحة امامها وضمان كفاءة وجودة هذه التقارير وتعدد الآراء بشأن المسألة الفنية محل النزاع المعروضة على القضاء حتى تكون المحكمة على دراية تامة بموضوع الدعوى وهو الامر الذي سيؤدي الى جودة الاحكام القضائية الصادرة من المحاكم في النزاعات ذات الطبيعة الفنية استناداً للتقارير المقدمة فيها، ولأجل تحقيق ذلك فقد تم فتح المجال امام الخصوم لاختيار الخبير المناسب وفقاً لمهاراته وخبرته العملية لإعداد التقرير، في حين أن النظام المعمول به سابقاً كان يتم تكليف خبير من قبل المحكمة حسب جدول الخبراء المعتمدين لدى وزارة العدل لتقديم تقرير خبرة في مسألة فنية او عملية لازمة للفصل في النزاع المنظور امام المحكمة، وتنفيذاً لهذا التوجه فقد منح القانون الجديد في المادة (132) منه الحق للخصوم بأن يتقدموا بتقرير خبرة من تلقاء انفسهم وذلك لإثبات مسألة فنية او عملية يستلزم إعطاء الرأي فيها من قبل خبير متخصص وأعطى لكل خصم الحق في تعيين خبير مستقل او الاتفاق على تعيين خبير مشترك، كما أجاز للخصوم وفقاً لذات المادة السابقة اللجوء للخبرة قبل رفع الدعوى، أي انه يمكن اعداد تقرير الخبرة مسبقاً وتقديمه من ضمن مستندات الدعوى اثناء قيدها وهذا يسهم في تقليص امد نظر النزاع امام المحكمة وتقليل الإجراءات المتخذة اثناء سير الدعوى.
اما بشأن مسألة تعيين الخبير فإن المادة السابقة نصت على انه: ( يقصد بالخبير كل شخص طبيعي او معنوي لديه المعرفة والدراية الكافية في المسألة الفنية او العملية المعروضة عليه ويكون قادراً على اعداد تقرير خبرة فيها) ، بمعنى انه يمكن لأي شخص يدًعي الخبرة في مجال معين ان يصبح خبيراً ويقدم تقريراً وذلك دون الحاجة للتأكد من صلاحية هذا الشخص لأن يكون خبيراً امام المحاكم وهذا قد يؤدي الى نتائج عكسية في ظل غياب الرقابة من المحاكم وعدم وجود شروط يجب توافرها في من يتصدى لأعمال الخبرة امام المحاكم، خصوصاً وان القانون الجديد في المادة (143) منه قد الغى العمل بالمرسوم بقانون رقم (3) لسنة 1995 بشأن خبراء الجدول والذي كان يتضمن اشتراطات فيمن يقيد بهذا الجدول من الخبراء ورقابة على أعمالهم، وكان من الأولى تعديل هذا القانون وتطوير بنوده بدلاً من الغاؤه وذلك لحماية المتقاضين ولتشديد الرقابة على الخبراء.
كما تطرق المرسوم بقانون المذكور في المادة (135) الى مسألة إذا ما واجه الخبير عائق يحول دون مباشرته للمهمة الموكلة اليه وذلك بتقديم طلب الى المحكمة للحصول على إذن بتمكين الخبير من أداء مأموريته ويجب ان يتضمن هذا الطلب وصفاً دقيقاً للمسألة المراد تقديم تقرير بشأنها وتحديد طبيعة العائق الذي يواجهه الخبير اثناء أداء عمله وفي حال رأت المحكمة جدية الطلب وان هذه المسألة مجدية في النزاع ولازمة للفصل فيه لها ان تصدر أمراً بتمكين الخبير. ويؤخذ على هذه المادة بأنها لم تحدد المحكمة المختصة لنظر الطلبات المقدمة بشأن تمكين الخبير في حال اعداد التقرير قبل قيد الدعوى امام المحكمة.
وفي ذات السياق فقد ذكرت المادة 137 أنه لا يجوز لأي جهة من الجهات الحكومية أو الخاصة أو أي شخص طبيعي او معنوي الامتناع بغير مبرر قانوني عن اطلاع الخبير على ما يستلزمه للقيام بالمهام المنوطة به لتقديم تقريره وذلك تنفيذاً للأمر الصادر له من المحكمة بأداء عمله، مما يعطي الخبير حرية واسعة لمباشرة مهامه دون عائق.
ومن اهم الأمور التي ركز عليها المشرع في هذا القانون هو مبدأ حيادية ونزاهة الخبير والشفافية في العمل فأوجب على الخبير المعين من احد الخصوم ان يتمتع بالحيادية والنزاهة في عمله امام كافة اطراف الدعوى وتطبيقاً لذلك فقد اوجب القانون أيضاً بأن يفصح الخبير عن اية مصلحة شخصية مباشرة او غير مباشرة يمكن ان تؤثر على حياديته او نزاهته بما يتعارض مع أدائه لعمله كما يجب عليه في حال استجد أي ظرف ان يفصح عن ذلك فوراً للمحكمة وللأطراف بشكل كتابي. كما أوجب على الخبير تقديم موجز عن سيرته الذاتية وخبراته العملية ونسخة من عقد تقديم الخبرة وذلك في النموذج المعد لهذا الغرض من قبل وزارة العدل والشئون الإسلامية.
كما ذكر أيضاً أنه ولضمان استقلالية الخبراء وحياديتهم وعدم انحيازهم لأي طرف فقد اعتبر القانون الخبراء أعوان للقضاء بأن جعلهم بموجب احكام هذا القانون مكلفين من قبل المحكمة عند أدائهم لعملهم، واشترط كذلك التزامهم بالسرية بالنسبة للمعلومات التي يطلع عليها الخبير اثناء مباشرته لمأموريته مع عدم الاخلال بواجبه باطلاع المحكمة المختصة على كل المعلومات والبيانات المتوافرة لديه في اطار عمله، كذلك ومع التزامه بالسرية يجب على الخبير الإبلاغ عن جريمة أو منعه لوقوعها في حال نما الى علمه عنها من المعلومات والبيانات الواردة اليه اثناء عمله.
إلا أن القانون وبالرغم عما ذكرناه سابقاً فأنه وبإلغاؤه احكام قانون خبراء الجدول المذكور فقد أدى ذلك الى غل يد القضاء في الرقابة على اعمال الخبراء وغياب الرقابة والاشراف عليهم فضلاً عن غياب المحاسبة على اخطائهم أو الإهمال في أدائهم لعملهم وذلك لعدم وجود جهة حكومية للمحاسبة والرقابة عليهم.
أما بشأن الاتعاب فإن الطرف المتعاقد مع الخبير هو من يتحمل الاتعاب وبدل التكاليف التي يتكبدها الخبير وذلك حسب العقد المبرم بينهما، كما تعتبر هذه الاتعاب من ضمن مصاريف الدعوى وتحكم بها المحكمة من تلقاء نفسها عند اصدار الحكم. والجدير بالذكر ان للمحكمة سلطة تقديرية في تحديد اتعاب الخبير عند الزام الطرف خاسر الدعوى بها.
واخيراً فإن القانون قد أكد على أن رأي الخبير لا يلزم المحكمة أي ان للمحكمة سلطة تقديرية فلها ان تأخذ بما ورد في أي تقرير يقدم أمامها أو أن تطرحه جانباً كما لها ان توجه الى الخبير أي أسئلة تراها مناسبة للاستيضاح عن أي غموض في التقرير أو أن تطلب منه تصحيح ما يتبين لها من أخطاء أو استكمال أي نقص فيه متى كان التقرير منتجاً في النزاع المطروح أمامها.
كانت هذه اهم النقاط التي ذكرها المرسوم بقانون رقم (28) لسنة 2021 بتعديل بعض احكام قانون الاثبات في المواد المدنية والتجارية والملاحظات بشأنه.